الاثنين، 8 نوفمبر 2010

مقال: البقاء لمن يملك الفيشة.

البقاء لمن يملك الفيشة
بقلم: ماهر حمود - جريدة البورصة - العدد التاسع عشر
شهد الإسبوعان الماضيان عدة أحداث إعلامية أثارت جدلا وتساؤلا حول مفهوم الحرية في مصروتطورها بين القفز للأمام أحيانا والعودة للصفر أحيانا أخرى بجرة قلم سياسي. إبراهيم عيسى، عمرو أديب وعلاء صادق، ذلك إلى جانب قنوات الحافظ، الناس، الصحة والجمال، وخليجية، جميعها سحبت "فيشاتهم" الإعلامية في تلك الفترة القصيرة بغض النظر عن الأسباب المعلنة أو غير المعلنة.
أما مع نهاية الإسبوع الماضي فقد تقدمت الحكومة خطوة أخرى على طريق سحب الفيشات بعد أن طالب جهاز تنظيم الإتصالات مسئولي تسع قنوات بضرورة الحصول على موافقة إتحاد الإذاعة والتليفزيون بإبقاء أو تحريك وحدات النقل المباشر المعروفة بإسم SNG المملوكة لها. والجدير بالذكر أن مسئولي القنوات سعوا للحصول على موافقة الإتحاد، فطلب منهم نقل الوحدات إلى مكاتب دائمة بمدينة الإنتاج الإعلامي، كشرط رئيسي للحصول على ترددات من جانب جهاز تنظيم الإتصالات لبث إشارات الإرسال والإستقبال من مصر للعالم أو العكس.
ويتساءل البعض: لماذا الآن تحديدا؟ حيث أن المستثمرين في القنوات الفضائية تتحدثوا أكثر من مرة لما يقرب من عشر سنوات عن ضرورة تنظيم الفضائيات وتطوير لوائحها شديدة التخبط والبدائية المرتبطة بقرارات فردية مبنية على لوائح قديمة تخص إتحاد الإذاعة والتليفزيون.
ربما تكون الإجابة بديهية ومرتبطة بالإنتخابات المقبلة التي يجب أن يتوفر لها نوع من الهدوء الذي تبتغيه الحكومة، وخاصة أن معظم المتأثرين بالسياسة الجديدة هم من أصحاب نزعات الصراخ الهستيري الرافض على طول الخط. لكن ألم تخش الحكومة من ردة فعل المؤسسات والمنظمات الدولية، المتربصة دائما، على تلك الخطوة الجريئة؟
ربما لا! فعلينا جميعا أن ننظر بتأن ووعي للتغبر الذي حدث في العشر سنوات الأخيرة، فقبلها لم يكن لهذا المقال أن يرى النور على تلك الكلمات الناقدة لأداء الحكومة. صحيح أننا مازلنا نسير خطوة للأمام وإثنتين للخلف، لكن معظم الأصوات الناقدة لم تتوقف عن الصراخ وخاصة في التقارير الحقوقية التي لم تهدأ وتيرتها الساخطة على الأداء الحكومي رغم هذا التقدم على مستوى الحريات حتى ولو كان طفيفا أو شكليا. بل على العكس، أعطت تلك المساحة الجديدة الجميع الفرصة لرفع الصوت عاليا وزيادة عدد المهللين وكأن المسرح السياسي في مصر أصبح موقفا للميكروباصات يتادي فيه الكل على وجهته بأعلى صوته دون تنسيق مع الآخر أو التمعن فيما قد تم تحقيقه بالفعل، ومالم يتحقق بعد على القائمة ممتدة الطول.
يأتي الصراخ من كل الإتجاهات حتى أصبح عاديا ومألوفا، فالجميع يطل برأسه الغاضب عبر شاشة تليفزيونية أو حتى جريدة. دنت الإنتخابات البرلمانية وحساسية الفترة الراهنة لبقاء الحكومة في مركزها المسيطر غير المرضي عنه من تلك الأصوات، سواء صعدت الحكومة أو هبطت على سلم الحريات. إذا لماذا لاتسحب الفيشة التي تمتلكها وتسيطر عليها، فالجميع يصرخ على أي حال، والجميع نسي أن النايل سات قمر حكومي وأن إتحاد الإذاعة والتلبفزيون هو نافذة السلطة على عقول المواطنين وإتجاهاتهم. ففعلا عجبا لكل من يصرخ ويصرخ وقد عمي عن أنه مجرد ظاهرة فيزيائية تتبدد بسحبة قاطعة للتيار ممن يملك فيشاتهم جميعا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق